كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


<تنبيه> قال الراغب‏:‏ حق الإنسان إذا همّ بقبيح أن يتصوّر أحداً من نفسه كأنه يراه فالإنسان يستحي ممن يكبر في نفسه ولذلك لا يستحي من الحيوان ولا من الأطفال ولا من الذين لا يميزون ويستحي من العالم أكثر مما يستحي من الجاهل ومن الجماعة أكثر ما يستحي من الواحد والذين يستحي منهم الإنسان ثلاثة‏:‏ البشر ثم نفسه ثم اللّه تعالى ومن استحى من الناس ولم يستحي من نفسه فنفسه عنده أخس من غيره ومن استحى منها ولم يستح من اللّه فلعدم معرفته باللّه ففي ضمن الحديث حث على معرفة اللّه تعالى‏.‏

- ‏(‏الحسن بن سفيان‏)‏ في جزئه ‏(‏طب هب‏)‏ كلهم ‏(‏عن سعيد بن يزيد بن الأزور‏)‏ الأزدي قال الذهبي‏:‏ روى عنه أبو الخير اليزني وزعم أن له صحبة اهـ‏.‏ قال‏:‏ قلت للنبي صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ أوصني فذكره قال الهيثمي‏:‏ رجاله وثقوا على ضعف فيهم‏.‏

2790 - ‏(‏أوصيك بتقوى اللّه‏)‏ بأن تطيعه فلا تعصه وتشكره فلا تكفره والتقوى أس كل فلاح ونجاح في الدارين قال الغزالي‏:‏ ليس في العالم خصلة للعبد أجمع للخير وأعظم للأجر وأجل في العبودية وأعظم في القدر وأدنى بالحال وأنجع للآمال من هذه الخصلة التي هي التقوى وإلا لما أوصى اللّه بها خواص خلقه فهي الغاية التي لا متجاوز عنها ولا مقتصر دونها‏.‏ قد جمع اللّه فيها كل نصح ودلالة وإرشاد وتأديب وتعليم فهي الجامعة لخيري الدارين الكافية لجميع المهمات المبلغة إلى أعلى الدرجات ‏(‏والتكبير على كل شرف‏)‏ أي محل عال من أشرف فلان إلى كذا إذا تطاول له ورماه ببصره ومنه قيل للشريف شريف لارتفاعه على من دونه وهذا قاله لمن قال له أريد سفراً فأوصني فذكره ‏[‏ص 75‏]‏ فلما ولى الرجل قال‏:‏ اللّهم ازوي له الأرض وهون عليه السفر قال ابن القيم‏:‏ وكان النبي صلى اللّه عليه وسلم وصحبه إذا علوا الثنايا كبروا وإذا هبطوا سبحوا فوضعت الصلاة على ذلك‏.‏

- ‏(‏ه عن أبي هريرة‏)‏ وفيه أسامة بن زيد بن أسلم ضعفه أحمد وجمع وأورده الذهبي في الضعفاء‏.‏

2791 - ‏(‏أوصيك بتقوى اللّه تعالى فإنه رأس كل شيء‏)‏ إذ التقوى وإن قلّ لفظها جامعة لحق الحق والخلق شاملة لخير الدارين إذ هي تجنب كل منهي وفعل كل مأمور كما مر غير مرة ومن اتقى اللّه حفظه من أعدائه ونجاه من الشدائد ورزقه من حيث لا يحتسب وأصلح عمله وغفر زلله وتكفل له بكفلين من رحمته وجعل له نوراً يمشي به بين يديه وقبله وأكرمه وأعزه ونجاه من النار إلى غير ذلك مما مرّ ويأتي ببراهينه ‏(‏وعليك بالجهاد‏)‏ أي الزمه ‏(‏فإنه رهبانية الإسلام‏)‏ أي أن الرهبان وإن تخلوا عن الدنيا وزهدوا فيها فلا تخلي ولا زهد أفضل من بذل النفس في سبيل اللّه فكما أن الرهبانية أفضل عمل أولئك فالجهاد أفضل عملنا والرهبانية ما يتكلفه النصارى من أنواع المجاهدات والتبتل ‏(‏وعليك بذكر اللّه وتلاوة القرآن‏)‏ أي الزمهما ‏(‏فإنه‏)‏ يعني لزومهما ‏(‏روحك‏)‏ بفتح الراء راحتك ‏(‏في السماء وذكرك في الأرض‏)‏ بإجراء اللّه ألسنة الخلائق بالثناء الحسن عليك أي عند توفر الشروط والآداب ومنها أن يجمع حواسه إلى قلبه ويحضر في لبه كل جارحة فيه وينطق بلسانه عن جميع ذوات أحوال جوارحه حتى تأخذ كل جارحة منه قسطها منها وبذلك تنحات عنه الذنوب كما يتحات الورق عن الشجر فلم يقرأ القرآن من لم يكن ذا حاله ولم يذكر من لم يكن كذلك ذكره الحرالي وغيره‏.‏

- ‏(‏حم عن أبي سعيد‏)‏ قال الهيثمي‏:‏ رجاله ثقات‏.‏

2792 - ‏(‏أوصيك بتقوى اللّه في سر أمرك وعلانيته‏)‏ أي في باطنه وظاهره والقصد الوصية بإخلاص التقوى وتجنب الرياء فيها قال حجة الإسلام‏:‏ وإذا أردنا تحديد التقوى على موضع علم السر نقول الحد الجامع تبرئة القلب عن شر لم يسبق عنك مثله بقوة العزم على تركه حتى يصير كذلك وقاية بينك وبين كل شر قال‏:‏ وهنا أصل أصيل وهو أن العبادة شطران اكتساب وهو فعل الطاعات واجتناب وهو تجنب السيئات وهو التقوى وشطر الاجتناب أصلح وأفضل وأشرف للعبد من الاكتساب يصوموا نهارهم ويقوموا ليلهم واشتغل المنتبهون أولو البصائر والاجتناب إنما همتهم حفظ القلوب عن الميل لغيره تعالى والبطون عن الفضول والألسنة عن اللغو والأعين عن النظر إلى ما لا يعنيهم ‏(‏وإذا أسأت فأحسن‏)‏ ‏{‏إن الحسنات يذهبن السيئات‏}‏ ‏(‏ولا تسألن أحداً‏)‏ من الخلق ‏(‏شيئاً‏)‏ من الرزق ارتقاء إلى مقام التوكل فلا تعلق قلبك بأحد من الخلق بل بوعد اللّه وحسن كفايته وضمانه ‏{‏وما من دابة في الأرض إلا على اللّه رزقها‏}‏ وقد قال أهل الحق‏:‏ ما سأل إنسان الناس إلا لجهله باللّه تعالى وضعف يقينه بل إيمانه وقلة صبره وما تعفف متعفف إلا لوفور علمه باللّه وتزايد معرفته به وكثرة حيائه منه ‏(‏ولا تقبض أمانة‏)‏ وديعة أو نحوها مصدر أمن بالكسر أمانة فهو أمين ثم استعمل في الأعيان مجازاً فقيل الوديعة أمانة ونحو ذلك والنهي للتحريم إن عجز عن حفظها وللكراهة إن قدر ولم يثق بأمان نفسه وإن وثق بأمانة نفسه فإن قدر ووثق ندب بل إن تعين وجب ‏(‏ولا تقض بين اثنين‏)‏ لخطر أمر القضاء وحسبك في خطره خير من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين والخطاب لأبي ذر وكان يضعف عن ‏[‏ص 76‏]‏ ذلك كما صرح به في الحديث‏.‏

- ‏(‏حم عن أبي ذر‏)‏ قال الهيثمي‏:‏ رجاله رجال الصحيح وفيه قضية اهـ‏.‏ وقضية كلام المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل سقط منه بعد ولا تسأل أحداً وإن سقط سوطك هكذا هو ثابت في رواية أحمد وكأنه سقط من القلم‏.‏

2793 - ‏(‏أوصيك بتقوى اللّه فإنه رأس الأمر كله وعليك بتلاوة القرآن وذكر اللّه فإنه ذكر لك في السماء‏)‏ يعني يذكرك الملأ الأعلى بسببه بخير ‏(‏ونور لك في الأرض‏)‏ أي بهاء وضياء يعلو بين أهل الأرض وهذا كالمشاهد المحسوس فيمن لازم تلاوته بشرطها من الخشوع والتدبر والإخلاص‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ فعلى كل ذي علم أن لا يغفل عن هذه المنة والقيام بشكرها ‏(‏وعليك بطول الصمت‏)‏ أي الزم السكوت ‏(‏إلا في خير‏)‏ كتلاوة وعلم وإنذار مشرف على هلاك وإصلاح بين الناس ونصيحة وغير ذلك ‏(‏فإنه مطردة للشيطان‏)‏ أي مبعدة له ‏(‏عنك‏)‏ يقال طردته أبعدته كما في الصحاح وغيره وهو مطرود وطريد واطرده السلطان بالألف أمر بإخراجه عن البلد‏.‏ وقال الزمخشري‏:‏ طرده أبعده ونحاه وهو شريد طريد ومشرد مطرد‏.‏ قال ابن السكيت‏:‏ طرده نفاه وقال له اذهب عنا ‏(‏وعون لك على أمر دينك‏)‏ أي ظهير ومساعد لك عليه ‏(‏إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب‏)‏ أي يغمسه في الظلمات فيصيره كالأموات قال الطيبي‏:‏ والضمير في أنه وفي فإنه يميت واقع موقع الإشارة أي كثرة الضحك تورث قسوة القلب وهي مفضية إلى الغفلة وليس موت القلب إلا الغفلة ‏(‏ويذهب بنور الوجه‏)‏ أي بإشراقه وضيائه وبهائه قال الماوردي‏:‏ واعتياد الضحك شاغل عن النظر في الأمور المهمة مذهل عن الفكر في النوائب المسلمة وليس لمن أكثر منه هيبة ولا وقار ولا لمن وسم به خطر ولا مقدار وقال حجة الإسلام‏:‏ كثرة الضحك والفرح بالدنيا سم قاتل يسري إلى العروق فيخرج من القلب الخوف والحزن وذكر الموت وأهوال القيامة وهذا هو موت القلب ‏{‏وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع‏}‏ ‏(‏عليك بالجهاد -أي بذل النفس في قتال الكفار بقصد إعلاء كلمة اللّه لهذه الأمة بمنزلة التبتل والانقطاع إلى اللّه تعالى عند النصارى- فإنه رهبانية أمتي‏)‏ كما تقرر وجهه فيما قبله ‏(‏أحب المساكين‏)‏ المراد بهم ما يشمل الفقراء كما سبق في أمثاله ‏(‏وجالسهم‏)‏ فإن مجالستهم ترق القلب وتزيد في التواضع وتدفع الكبر ‏(‏انظر إلى من‏)‏ هو ‏(‏تحتك‏)‏ أي دونك في الأمور الدنيوية ‏(‏ولا تنظر إلى من هو فوقك‏)‏ فيها ‏(‏فإنه أجدر‏)‏ أي أحق وأخلق يقال هو جدير بكذا أي خليق وحقيق ‏(‏أن لا تزدري نعمة اللّه عندك‏)‏ كما سبق بتوجيهه أما في الأمور الأخروية فينظر إلى من فوقه ‏(‏صل قرابتك‏)‏ بالإحسان إليهم ‏(‏وإن قطعوك‏)‏ فإن قطيعتهم ليست عذراً لك في قطيعتهم ‏(‏قل الحق‏)‏ أي الصدق يعني مر بالمعروف وانه عن المنكر ‏(‏وإن كان مُرّاً‏)‏ أي وإن كان في قوله مرارة أي مشقة على القائل فإنه واجد أي ما لم يخف على نفسه أو ماله أو عرضه مفسدة فوق مفسدة المنكر الواقع‏.‏ قال الطيبي‏:‏ شبه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمن يأباه بالصبر فإنه مرّ المذاق لكن عاقبته محممودة‏.‏ قال بعض العارفين‏:‏ من أمراض النفس التي يجب التداوي منها أن يقول الإنسان أنا أقول ولا أبالي وإن كره المقول له من غير نظر إلى الفضول ومواطنه ثم تقول‏:‏ أعلنت الحق وعز عليه ويزكي نفسه ويجرح غيره ومن لم يجعل القول في موضعه أدى إلى التنافر والتقاطع والتدابر ثم إن بعد هذا كله ‏[‏ص 77‏]‏ لا يكون ذلك إلا ممن يعلم ما يرضي اللّه من جميع وجوهه المتعلقة بذلك المقام لقوله سبحانه وتعالى ‏{‏لا خير في كثير من نجواهم‏}‏ الآية ثم قال‏:‏ ‏{‏ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات اللّه‏}‏ ثم زاد في التأكيد في قول الحق قوله ‏(‏لا تخف في اللّه لومة لائم‏)‏ أي كن صلباً في دينك إذا شرعت في إنكار منكر وأمر بمعروف وامض فيه كالمسامير المحماة لا يرعك قول قائل ولا اعتراض معترض ‏(‏ليحجزك عن الناس ما تعلم من نفسك‏)‏ أي ليمنعك عن التكلم في أعراض الناس والوقيعة فيهم ما تعلم من نفسك من العيوب فقلما تخلو أنت من عيب يماثله أو أقبح منه وأنت تشعر أو لا تشعر ‏(‏ولا تجد عليهم فيما يأتون‏)‏ أي ولا تغضب عليهم فيما يفعلونه معك يقال وجد عليه موجدة غضب ‏(‏وكفى بالمرء عيباً أن يكون فيه ثلاث خصال أن يعرف من الناس ما يجهل من نفسه‏)‏ أي يعرف من عيوبهم ما يجهله من نفسه ‏(‏ويستحي مما هو فيه‏)‏ أي ويستحي منهم أن يذكروه مما هو فيه من النقائص مع إصراره عليها وعدم إقلاعه عنها ‏(‏ويؤذي جليسه‏)‏ بقول أو فعل ولهذا روي أن أبا حنيفة كان يحيي نصف الليل فمرّ يوماً في طريق فسمع إنساناً يقول هذا الرجل يحيي الليل كله فقال‏:‏ أرى الناس يذكرونني بما ليس فيَّ فلم يزل بعد ذلك يحيي الليل كله وقال‏:‏ أنا أستحي من اللّه أن أوصف بما ليس فيَّ من عبادته ‏(‏يا أبا ذر لا عقل كالتدبير‏)‏ أي في المعيشة وغيرها والتدبير نصف المعيشة -ويحتمل أن يكون المراد النظر في عواقب الأمور- ‏(‏ولا ورع كالكف‏)‏ أي كف اليد عن تناول ما يضطرب القلب في تحليله وتحريمه فإنه أسلم من أنواع ذكرها المتورعون من التأمل في أصول المشتبه والرجوع إلى دقيق النظر عما حرمه اللّه ‏(‏ولا حسب‏)‏ أي ولا مجد ولا شرف ‏(‏كحسن الخلق‏)‏ بالضم إذ به صلاح الدنيا والآخرة وناهيك بهذه الوصايا العظيمة القدر الجامعة من الأحكام والحكم والمعارف ما يفوق الحصر فأعظم به من حديث ما أفيده‏.‏

- ‏(‏عبد بن حميد في تفسيره‏)‏ أي تفسيره للقرآن ‏(‏طب عن أبي ذر‏)‏ ورواه عنه أيضاً ابن لال والديلمي في مسند الفردوس‏.‏

2794 - ‏(‏أوصيك يا أبا هريرة بخصال أربع لا تدعهن‏)‏ أي لا تتركهن ‏(‏أبداً ما بقيت‏)‏ أي مدة بقائك في الدنيا فإنهن مندوبات ندباً مؤكداً ‏(‏عليك بالغسل يوم الجمعة‏)‏ أي الزمه وداوم عليه فلا تهمله إن أردت حضورها وإن لم تلزمك وأول وقته من صادق الفجر والأفضل تقريبه من رواحه إليها فإن عجز عن الماء تيمم بدلاً عنه ‏(‏والبكور إليها‏)‏ من طلوع الفجر إن لم تكن معذوراً ولا خطيباً وفيه رد على مالك في ذهابه إلى عدم ندب التبكير ‏(‏ولا تلغ‏)‏ أي لا تتكلم باللغو في حال الخطبة يقال لغا الرجل تكلم باللغو وهو اختلاط الكلام ولغا به تكلم به فالكلام حال الخطبة على الحاضرين مكروه عند الشافعية حرام عند الأئمة الثلاثة والخلاف في غير الخطيب ومن لم يستقر في محل ومن خاف وقوع محذور بمحترم وظن وقوعه به إن سكت وإلا فلا حرمة بل يجب الكلام في الأخيرة ‏(‏ولا تله‏)‏ ‏[‏ص 78‏]‏ أي لا تشتغل عن استماعها بحديث ولا غيره فإنه مكروه عند الشافعية حرام عند غيرهم بل يحرم عند الشافعية أيضاً على بعض الأربعين الذين يلزمهم كلام فوته سماع ركن ‏(‏وأوصيك‏)‏ أيضاً بخصال ثلاث لا تدعهن أبداً ما بقيت في الدنيا عليك ‏(‏بصيام ثلاثة أيام من كل شهر‏)‏ من أيِّ أيام الشهر كانت فإنه مندوب مؤكد ويسن كون تلك الثلاث هي البيض وهي الثالث عشر وتالياه كما بينه في الخبر المار وهو قوله إن كنت صائماً إلخ ‏(‏فإنه‏)‏ أي صيامها ‏(‏صيام الدهر‏)‏ أي بمنزلة صيامه لأن الحسنة بعشر أمثالها فاليوم بعشرة والشهر ثلاثين فذلك عدد أيام السنة ‏(‏وأوصيك بالوتر‏)‏ أي بصلاته ندباً مؤكداً عند الشافعية ووجوباً عند الحنفية ووقته بين العشاء والفجر ووقت اختياره إلى ثلث الليل إن أردت تهجداً أو لم تعتد اليقظة آخر الليل فحينئذ تصليه ‏(‏قبل النوم‏)‏ فإذا أردت تهجداً ووثقت بيقظتك فالأفضل تأخيره إلى آخر صلاة الليل التي يصليها بعد نومه ‏(‏وأوصيك بركعتي الفجر‏)‏ أي بصلاتهما والمحافظة عليهما ‏(‏لا تدعهما‏)‏ لا تتركهما ندباً ‏(‏وإن صليت الليل كله‏)‏ فإنه لا يجزئ عنهما ‏(‏فإن فيهما الرغائب‏)‏ أي ما يرغب فيه من عظيم الثواب جمع رغبة وهي العطاء الكثير ومن ثم كانت أفضل الرواتب مطلقاً فيكره تركها بل حرمه بعض الأئمة‏.‏

- ‏(‏ع عن أبي هريرة‏)‏ وفيه سليمان بن داود اليماني قال الذهبي‏:‏ ضعفوه‏.‏

2795 - ‏(‏أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم‏)‏ أي أهل القرن الثاني قال ابن العربي‏:‏ أوصيكم بأصحابي إلخ وليس هناك أحد غيرهم يكون الموصى به غيرهم وإنما المراد ولاة أمورهم فكانت هذه وصية على العموم ‏(‏ثم‏)‏ بعد ذلك ‏(‏يفشوا الكذب‏)‏ أي ينتشر بين الناس بغير نكير ‏(‏حتى يحلف الرجل‏)‏ تبرعاً ‏(‏ولا يستحلف‏)‏ أي لا يطلب منه الحلف لجرأته على اللّه ‏(‏ويشهد الشاهد ولا يستشهد‏)‏ أي لا يطلب منه الشهادة يجعل ذلك منصوبة لشيء يتوقعه من حطام الدنيا قال ابن العربي‏:‏ وقد وجدنا وقوع ذلك في القرن الثاني لكنه قليل ثم زاد في الثالث ثم كثر في الرابع وقوله يحلف ولا يستحلف إشارة إلى قلة الثقة بمجرد الخبر لغلبة التهمة حتى يؤكد خبره باليمين وقوله يشهد ولا يستشهد أي يبديها من قبل نفسه زوراً ‏(‏ألا لا يخلون رجل بامرأة‏)‏ أي أجنبية ‏(‏إلا كان الشيطان ثالثهما‏)‏ بالوسوسة وتهييج الشهوة ورفع الحياء وتسويل المعصية حتى يجمع بينهما بالجماع أو فيما دونه من مقدماته التي توشك أن توقع فيه والنهي للتحريم واستثنى ابن جرير كالثوري ما منه بد كخلوته بأمة زوجته التي تخدمه حال غيبتها ‏(‏وعليكم بالجماعة‏)‏ أي أركان الدين والسواد الأعظم من أهل السنة أي الزموا هديهم فيجب اتباع ما هم عليه من العقائد والقواعد وأحكام الدين قال ابن جرير‏:‏ وإن كان الإمام في غيرهم وعلم منه أن الأمة إذا أجمعت على شيء لم يجز خلافها ‏(‏وإياكم والفرقة‏)‏ أي احذروا الإنفصال عنها ومفارقتهم ما أمكن يقال فرقت بين الشيئين فصلت بينهما وفرقت بين الحق والباطل فصلت أيضاً ‏(‏فإن الشيطان مع الواحد وهو من الإثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة‏)‏ بضم الموحدتين أي من أراد أن يسكن وسطها وأخصبها وأحسنها وأوسعها مكاناً قال في الصحاح‏:‏ بحبوحة الدار بضم الباءين وسطها قال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز تبحبح في الأمر توسع فيه من بحبوحة الدار وهي وسطها وتبحبحت العرب في لغاتها اتسعت فيها ‏[‏ص 79‏]‏ ‏(‏فليلزم الجماعة‏)‏ فإن من شذ انفرد بمذهبه عن مذاهب الأمة فقد خرج عن الحق لأن الحق لا يخرج عن جماعتها‏.‏ قال الغزالي‏:‏ ولا تناقض بين هذا وبين الأخبار الآمرة بالعزلة إذ لا تجتمع الأمة على ضلالة فخرق الإجماع والحكم بالعزلة نحو الزم بيتك وعليك بخاصة نفسك لأن قوله عليكم بالجماعة إلخ يحتمل ثلاثة أوجه‏:‏ أحدها أنه يعني به في الدين والحكم إذ لا تجتمع الأمة على ضلالة فخرق الإجماع والحكم بخلاف ما عليه جمهور الأمة والشذوذ عنهم ضلال وليس منه من يعتزل عنهم لصلاح دينه، الثاني عليكم بالجماعة بأن لا تنقطعوا عنهم في نحو الجمع والجماعات فإن فيها جمال الإسلام وقوة الدين وغيظ الكفار والملحدين، الثالث أن ذلك في زمن الفتنة للرجل الضعيف في أمر الدين ‏(‏من سرته حسنته وساءته سيئته فذلكم المؤمن‏)‏ أي الكامل لأنه لا أحد يفعل ذلك إلا لعلمه بأن له رباً على حسناته مثيباً وسيئاته مجازياً ومن كان كذلك فهو لتوحيد اللّه مخلصاً قال ابن جرير‏:‏ وفيه تكذيب المعتزلة في إخراجهم أهل الكبائر من الإيمان فإنه سمى أهل الإساءة مؤمنين وإبطال لقول الخوارج هم كافرون وإن أقروا بالإسلام‏.‏

- ‏(‏حم ت ك عن عمر‏)‏ بن الخطاب قال الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم على شرطهما‏.‏

2796 - ‏(‏أوصيكم بالجار‏)‏ أي بالإحسان إليه وكف صنوف الأذى والضرر عنه وإكرامه بسائر الممكن من وجوه الإكرام لما له من الحق المؤكد الذي ما يزال جبريل عليه السلام يؤكد فيه حتى كاد يورثه قال بعض العارفين‏:‏ احفظ حق الجوار والجار وقدم الأقرب داراً وتفقدهم بما أنعم اللّه به عليك فإنك مسؤول وادفع عنهم الضرر وأردف عليهم الإحسان وما سمي جاراً لك إلا لميلك بالإحسان له ودفع الضرر عنه وميله لك بذلك من جار إذا مال إذ الجور الميل فمن جعله من الميل إلى الباطل الذي هو الجور عرفاً فهو كمن يسمي اللديغ سليماً في القبض وإن كان الجار من أهل الجور أي الميل إلى الباطل بكفر أو فسق فلا يمنعك ذلك من رعاية حقه‏.‏ قيل‏:‏ نزل جراد بفناء شريف من العرب فخرج أهل الحي ليأكلوه فسمع أصواتهم فخرج من خبائه وقال‏:‏ ما تبغون قالوا‏:‏ جارك الجراد فقال‏:‏ إذ سميتموه جاري لأقاتلنكم عنه فقاتلهم حتى دفع عنه لكونهم سموه جاراً‏.‏

- ‏(‏الخرائطي في‏)‏ كتاب ‏(‏مكارم الأخلاق عن أبي أمامة‏)‏ الباهلي قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو على ناقته الجذعاء في حجة الوداع يقول‏:‏ أوصيكم بالجار حتى أكثر فقلنا إنه سيورثه انتهى وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأشهر من الخرائطي وهو غفلة فقد رواه الطبراني باللفظ المزبور عن أبي أمامة المذكور قال المنذري والهيثمي وإسناده جيد‏.‏

2797 - ‏(‏أوفق الدعاء‏)‏ أي أكثره موافقة للداعي ‏(‏أن يقول الرجل‏)‏ في دعائه وذكر الرجل وصف طردي والمراد الإنسان رجلاً أو امرأةً ‏(‏اللّهم أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي يا رب فاغفر لي ذنبي إنك أنت ربي‏)‏ لا رب غيرك ‏(‏وإنه‏)‏ أي الشأن أنه ‏(‏لا يغفر الذنوب إلا أنت‏)‏ لأنك السيد المالك إن غفرت فبفضلك وإن عاقبت فبعدلك وإنما كان هذا أوفق الدعاء لما فيه من الاعتراف بالظلم وارتكاب الجرم ثم الإلتجاء إليه تعالى مضطراً لا يجد لذنبه غافراً غير ربه ‏{‏وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء‏}‏‏.‏

- ‏(‏محمد بن نصر في الصلاة‏)‏ أي في كتاب ‏[‏ص 80‏]‏ الصلاة له ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ رضي اللّه عنه‏.‏

2798 - ‏(‏أوفوا‏)‏ من الوفاء قال القاضي‏:‏ وهو القيام بمقتضى العهد وكذا الإيفاء ‏(‏بحلف الجاهلية -قال في النهاية‏:‏ أصل الحلف المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق فما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال بين القبائل والغارات فذلك الذي ورد النهي عنه بقوله صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ لا حلف في الإسلام وما كان منه في الجاهلية على نصر المظلوم وصلة الأرحام فهو الذي قال فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة يريد المعاقدة على الخير ونصرة الحق-‏)‏ أي العهود التي وقعت فيها مما لا يخالف الشرع قال الحرالي‏:‏ والإيفاء الأخذ بالوفاء والوفاء إنجاز الموعود في أمر معهود ‏(‏فإن الإسلام لم يزده‏)‏ أي العهد المبرم فيها ‏(‏إلا شدّة‏)‏ أي شدة توثق فيلزمكم الوفاء به أما ما يخالف الشرع كالفتن والقتال فلا وفاء به ‏(‏ولا تحدثوا حلفاً في الإسلام‏)‏ أي لا تحدثوا فيه حلفاً مّا فالتنكير للجنس أو إن كنتم حلفتم أن يعين بعضكم بعضاً فإذا أسلمتم فأوفوا به فإن الإسلام يحرضكم على الوفاء به لكن لا تحدثوا مخالفة في الإسلام بأن يرث بعضكم بعضاً فإنه لا عبرة به ولا يناقضه أنه حالف بين المهاجرين والأنصار لأن المراد أنه آخى بينهم وبفرض أن المراد التحالف فطريق الجمع ما تقرّر‏.‏

- ‏(‏حم ت‏)‏ في البر ‏(‏عن ابن عمرو‏)‏ بن العاص وحسنه‏.‏

2799 - ‏(‏أوقد على النار‏)‏ أي نار جهنم ‏(‏ألف سنة حتى احمرَّت‏)‏ بعدما كانت شفافة لا لون لها ولا ترى والظاهر أنه أراد بالألف فيه وفيما يأتي التكثير وأن المراد الزمن الطويل ‏(‏ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودَّت فهي سوداء مظلمة كالليل المظلم -والقصد الإعلام بفظاعتها والتحذير من فعل ما يؤدي إلى الوقوع فيها-‏)‏ قال الطيبي‏:‏ هذا قريب من قوله تعالى ‏{‏يوم يحمى عليها في نار جهنم‏}‏ أي يوقد الوقود فوق النار أي النار ذات طبقات توقد كل طبقة فوق أخرى اهـ‏.‏ وقيل‏:‏ ما خلق اللّه النار إلا من كرمه جعلها اللّه سوطاً يسوق به المؤمنين إلى الجنة وقال بعضهم‏:‏ النار أربعة نار لها نور بلا حرقة وهي نار موسى عليه الصلاة والسلام ونار لها حرقة ولا نور لها وهي نار جهنم ونار لها حرقة ونور وهي نار الدنيا ونار لا حرقة ولا نور وهي نار السحر‏.‏

- ‏(‏ت ه عن أبي هريرة‏)‏ مرفوعاً وموقوفاً قال الترمذي‏:‏ ووقفه أصح ورواه البيهقي عن أنس قال‏:‏ تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الآية ‏{‏وقودها الناس والحجارة‏}‏ ثم ذكره‏.‏

2800 - ‏(‏أولم‏)‏ أي اتخذ وليمة ‏(‏ولو بشاة‏)‏ مبالغة في القلة فلو تقلية لا امتناعية فلا حد لأقلها ولا لأكثرها ونقل القاضي الإجماع على أنه لا حد لقدره المجزئ والخطاب لعبد الرحمن بن عوف الذي تزوج والأمر للندب عند الجمهور وصرفه عن الوجوب خبر هل علي غيرها أي الزكاة قال‏:‏ لا إلا أن تطوّع وخبر ليس في المال حق سوى الزكاة ولأنها لو وجبت لوجبت الشاة ولا قائل به‏.‏